في وقت تتسارع فيه وتيرة التحولات التقنية والاجتماعية، حيث تتغير منظومة العمل والقيم الثقافية كل بضع سنوات، تصبح الفعالية الناجحة أكثر من مجرد حدث مؤقت…
في وقت تتسارع فيه وتيرة التحولات التقنية والاجتماعية، حيث تتغير منظومة العمل والقيم الثقافية كل بضع سنوات، تصبح الفعالية الناجحة أكثر من مجرد حدث مؤقت أو تجمع بشري. إنها منصة حيوية تملك القدرة على إعادة تشكيل علاقاتنا، وتغيير لغة التفاهم بين أفراد من عصور مختلفة، وجعل الزمن مساحة للتكامل لا للتصادم.
فهل يمكن لفعالية مصممة بإتقان، أن تُقرّب بين مدير تجاوز الخامسة والخمسين وشاب في مقتبل العشرين؟
هل تستطيع لحظة على خشبة المسرح أن تزرع فهمًا عميقًا بين من وُلدوا في عصر الورق، وآخرين نشأوا وسط الذكاء الاصطناعي؟
الإجابة تبدأ من حيث تبدأ ماندالا عملها: من الفكرة، ومن التصميم، ومن اختيار أدق التفاصيل، لتكوين تجربة لا تُنسى، تربط الماضي بالحاضر، وتُعدّ المستقبل ليكون أكثر اتساقًا.
كثيرًا ما ننظر إلى الفعاليات على أنها مناسبات تُبهر أو تُعرض فيها الأفكار الكبرى، لكن العبقرية الحقيقية تكمن في كيفية استغلال هذه المساحة لخلق تواصل أصيل بين شرائح عمرية لم تعتد الحديث بلغة واحدة.
في برامج الإرشاد العكسي التي تبنتها شركات عالمية رائدة، رأينا كيف يمكن قلب المعادلة التقليدية. لم يعد المعلم هو صاحب الخبرة فقط، بل أصبح الأصغر سنًا – بمهاراته الرقمية المتقدمة – هو من يقدم المعلومة، ويشرح كيفية استخدام أدوات التحول الرقمي، ويدرب الجيل الأقدم عليها.
لكن هذا لم يكن مجرد تمرين على التقنية، بل كان تمرينًا على الثقة.
وحين طُبّق مفهوم ظل الوظيفة بحيث يرافق الجيل القديم نظراءهم من الجيل الجديد في يوم عمل كامل، انعكست النتيجة بشكل عميق: فهمٌ أفضل، احترام متبادل، ومساحة لتقدير اختلاف السياقات.
ماذا يعني هذا في تصميم الفعاليات؟
يعني أننا لا نكتفي بجمع الجميع في مكان واحد، بل نُصمم مساحة حوار حيّة، تحترم اختلافاتهم، وتفتح بابًا لتلاقٍ إنساني حقيقي.
في منتدى شباب العالم، كانت القاعة التي جمعت متحدثين من مختلف الأجيال، أكبر من مجرد جلسة نقاش. لقد كانت مشهدًا للزمن نفسه وهو يحاول أن يصغي.
عندما يعتلي المنصة شاب في مقتبل العمر ليعرض رؤيته لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وبعده يتحدث قائد من جيل السبعينات عن التوازن القيمي في إدارة الأزمات، لا تكون الفعالية هنا مجرد عرض، بل تصبح معبرًا يسمح بتدفق المعاني، وتحوّل الفوارق العمرية إلى فسيفساء متناغمة.
ورشة تبادل المهارات لم تكن نشاطًا جانبيًا، بل كانت القلب النابض للفكرة: أن يصبح الحاضر امتدادًا للماضي، والمستقبل نتيجة لتلاقٍ عادل بين التجربة والحيوية.
لعل أصدق ما يعكس عبقرية تنظيم فعالية موجهة للأجيال، هو الاعتماد على التفاصيل الرمزية، التي يتذوقها كبار السن ببصيرتهم، ويراها الجيل الأصغر كرسالة غير مباشرة.
في الفعاليات التابعة للروتاري الدولي، وتحديدًا حين يُسلّم رئيس الجيل المخضرم مقاليد الإدارة لشاب شغوف أمام الجميع، لا تكون اللحظة مجرد بروتوكول. إنها رسالة تقول: نحن نثق بك، لأنك امتداد لنا، لا قطيعة.
هذا النوع من اللحظات يحتاج من يراها، ويُخطّط لها، ويصوغها بلغة مسرحية غير ناطقة.
وفي ماندالا، هذه التفاصيل تُصمم كما تُصاغ المجوهرات: عبر هندسة الفكرة، وهندسة الإخراج، وهندسة التأثير النفسي.
ليس كل لقاء بين الأجيال يُنتج تفاهمًا. بعض اللقاءات تزيد الهوة بدل أن تجسرها.
وهنا تكمن أهمية الفهم العميق للمتغيرات النفسية والثقافية بين الأجيال، وتوظيف أدوات التفكير التصميمي لإنشاء فعاليات لا تُظهر التواصل كغاية، بل تصنعه كواقع.
في فعاليات كبرى مثل اليوم العالمي لموسيقى الجاز، كان لتفاصيل دقيقة كتنظيم ورش موسيقية بين عازفي الجاز الكبار والموسيقيين المحليين الشباب، أثرًا بالغًا في تكوين حالة من الاحترام المتبادل، القائمة على الأداء لا الأعمار.
عندما يعزف الجميع نغمة واحدة، لا يهم من هو الأكبر… بل من يستطيع أن ينصت.
في اليوم العالمي للمتاحف بالشارقة، لم تُستخدم تقنية الواقع الافتراضي كعرض مبهر فقط، بل كوسيلة لربط الأجيال بتاريخهم المشترك.
الزائر المسن لمس التمثال الذي يذكّره بماضيه، والطفل تفاعل مع النسخة الرقمية للقطعة وكأنها لعبته الخاصة.
وفي لحظة، التقت الذاكرة بالتجربة، وتحوّل التاريخ إلى مساحة حوار مرئي.
هكذا تعمل الفعاليات حين تُصمم بجودة التفكير، وجمال الإخراج، وعمق الرسالة.
وهكذا تُبنى جسور التواصل بين الأجيال، ليس بقرارات مؤسسية فقط، بل بلمسات دقيقة تُراعي اختلاف الذوق، وتُخاطب عقلية كل جيل بلغته الخاصة.
في عالم المؤسسات، لا نحتاج فقط إلى إدارة متعددة الأعمار، بل إلى بيئة يتعلّم فيها الكبير من الشاب، ويثق فيها الشاب بحكمة الكبير.
الفعالية هنا ليست ترفًا، بل وسيلة بناء.
ومصمم الفعالية الناجحة لا يبني منصة عرض، بل يصنع بنية تحتية ثقافية تمتد في ذاكرة الأفراد حتى بعد مغادرتهم للمكان.
وعندما نهتم بنوع الخشب الذي نصنع منه منصتنا، ونختار المذيع القادر على التحدث بلغة رسمية وأخرى شبابية، ونوظف أزياء تعكس ذوقًا راقيًا يليق بكبار الضيوف فنحن لا نبهر فقط، بل نُشعر كل جيل أن مكانه محفوظ في هذه المساحة.
في نهاية كل فعالية، يبقى في الذاكرة ما هو أعمق من الصور: تبقى اللحظة التي ابتسم فيها الجد لابن حفيده وهو يعلمه كيف يستخدم جهاز الواقع المعزز، وتبقى اللحظة التي وقف فيها الشاب ليصفّق لرئيسه القديم حين سرد تجربته في مواجهة الأزمات.
هذه اللحظات لا تحدث مصادفة، بل تحتاج من يُصممها
ومن يُصمم بهذا المستوى، لا يصنع حدثًا، بل يُعيد تشكيل الثقافة.
قد يهمك أيضًا:
شاركنا بريدك الإلكتروني وادخل معنا في مساحة مليانة وعي، نمو، وإلهام.
جمبع الحقوق محفوظة © ماندالا 2025
WhatsApp us