في عالم سريع التحوّل، أصبحت الفعاليات أكثر من مجرد تجمعات أو منصات لعرض الأفكار؛ تحوّلت إلى محركات للتعلم العميق ومختبرات للتطوير المهني وصناعة المستقبل. وفي…
في عالم سريع التحوّل، أصبحت الفعاليات أكثر من مجرد تجمعات أو منصات لعرض الأفكار؛ تحوّلت إلى محركات للتعلم العميق ومختبرات للتطوير المهني وصناعة المستقبل. وفي هذا السياق، تأتي التكنولوجيا كعنصر محوري، ليس فقط لتجميل الفعالية أو إدهاش الحضور، بل لإعادة صياغة دور الفعالية بالكامل: من مناسبة عابرة إلى تجربة تعليمية مستدامة تترك أثرًا فكريًا ومهنيًا طويل الأمد.
ولأن جمهورنا في ماندالا هم الصفوة الطامحة مسؤولون، قياديون، متعلمون يقدّرون المعنى العميق ويهتمون بالجودة الرفيعة فإن الحديث عن دور التكنولوجيا في تطوير الفعاليات لا ينفصل أبدًا عن منظورنا الخاص: أن كل تفصيلة يجب أن تُصمم لتعزيز قيمة التعلم، وصنع تجربة ثرية تصمد في ذاكرة الحضور، وترتقي بقدراتهم.
لم يعد يكفي أن يجلس الحاضر في مقعد أنيق ليستمع إلى كلمات رنانة. جمهور اليوم، خصوصًا في الأوساط الراقية والمتعلمة، يريد أن يغادر الفعالية وقد اكتسب مهارة، أو فتحت له أبواب علاقات مهنية، أو كوّن شبكة معرفية تساعده في الارتقاء بعمله. وهنا يأتي جوهر التكنولوجيا الحديثة؛ فهي تنقلنا من حالة «البث الأحادي» إلى حالة «التفاعل العميق»، وتجعل من كل فعالية ورشة تطوير مهني متنقلة.
وبنظرة هندسية كما نفكر في ماندالا فإن تحويل الفعالية إلى منصة تعلم وتطوير مهني يعني أن نهتم بثلاثة أبعاد رئيسية:
لنأخذ معرض ومؤتمر Bett العالمي كمثال رائد. هذا الحدث الذي يستقطب أكثر من 30 ألف تربوي وخبير وصانع سياسات من 130 دولة، لا يقدّم مجرد عروض تقنية في مجال التعليم، بل ينسج خريطة تفاعلية هائلة عبر أدوات مثل الواقع الافتراضي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يجعله أشبه بمنصة تعليمية عابرة للحدود.
يقدّم Bett حلوله عبر نماذج مثل «الفصول الذكية»، حيث يتم تحليل بيانات أداء المعلمين والمتعلمين على السواء؛ ليتم تصميم برامج تطوير مهني خاصة بكل فئة. لا يقتصر Bett على أيام المعرض، بل يمتد أثره من خلال منصاته الرقمية مثل Bett Connect، التي تحولت إلى بيئة تعلم افتراضية مستدامة، تتيح للزوار مواصلة التعلم وبناء العلاقات حتى بعد إغلاق أبواب المعرض.
هذه التجربة تعلّمنا أن التكنولوجيا عندما توظّف برؤية واعية، فإنها تحوّل الفعالية من مجرد تجربة حضور إلى أكاديمية متنقلة، تزود الناس بالمهارات والمعرفة، وتفتح لهم آفاقًا مهنية جديدة.
أما مؤتمر ISTE (الجمعية الدولية لتكنولوجيا التعليم)، فهو نموذج عالمي آخر يبرهن على أن التكنولوجيا ليست أداة تكميلية، بل جوهر التجربة التعليمية ذاتها. عبر أكثر من 1000 جلسة سنويًا، يتيح ISTE للمعلمين وخبراء التعليم خوض تجارب التعلم القائم على الألعاب، وتقنيات الواقع المعزز، ضمن ورش عمل تفاعلية تحوّل الفكرة إلى ممارسة حقيقية.
الأجمل أن ISTE لم يتوقف عند حدود أيام المؤتمر؛ بل صمم منصة ISTELive، التي تحوّلت إلى رخصة تطوير مهني معتمدة تُمكّن المعلمين من استكمال رحلتهم التدريبية عن بُعد. تشير الدراسات إلى أن اعتماد هذه الأدوات الرقمية رفع نسبة مشاركة المعلمين في برامج التطوير المهني بنسبة 25%، وهو إنجاز كبير يوضح قوة التكنولوجيا في تغيير سلوك المتعلمين وتوسيع مهاراتهم.
ثم نأتي إلى قمة ASU/GSV، التي تجمع سنويًا رواد التعليم والتقنية من مختلف أنحاء العالم، بدءًا من مرحلة الطفولة المبكرة ووصولًا إلى التعلم مدى الحياة. هذه القمة لم تكتفِ بعرض الأفكار، بل حوّلت المؤتمر إلى ما يشبه «الأكاديمية الافتراضية» الممتدة، عبر شراكات مع منصات مثل Coursera وedX، مما يسمح بتحويل الجلسات والحوارات إلى برامج تدريبية يمكن للناس الوصول إليها لاحقًا في أي مكان.
ومن التجارب الملهمة أيضًا داخل هذه القمة، مبادرة Summit Learning التي تستفيد من البيانات الضخمة لتحليل اهتمامات المشاركين، ثم تصميم مسارات تطوير مهني مخصصة لكل فئة. هكذا يصبح المؤتمر منصّة ديناميكية للتطوير المهني، لا تنتهي بانتهاء أيامه، بل تفتح أمام الحضور فرصًا للارتباط مع منصات التوظيف مثل LinkedIn Learning، لبناء مستقبل وظيفي أكثر استدامة.
وفي مثال مميز في منطقتنا العربية، نجد ندوة التعلم الرقمي التي نظمتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالتعاون مع اليونيسف. هذه الندوة قدّمت نقاشًا نوعيًا حول كيفية دمج التكنولوجيا في التعليم خصوصًا مع فئات مثل اللاجئين أو الأطفال المحرومين، حيث طُبّق مفهوم «بوابة التعلم» التي تتيح للمعلمين والمتعلمين الوصول إلى محتوى مصمم خصيصًا لحاجاتهم.
الأهم هو أنهم استخدموا بيانات المشاركين لتصميم مسارات تطوير مهني واقعية للمعلمين، ما يضمن أن التغيير التعليمي لا يبقى حبرًا على ورق. وبفضل هذه المبادرة، طُبّق نموذج «التدخلات منخفضة التقنية» في أكثر من 50 مدرسة بمصر، مما يوضح أن التكنولوجيا حين تكون هادفة وإنسانية، فإنها قادرة على تغيير حياة الناس حتى في أصعب الظروف.
عندما نقرأ هذه الأمثلة العالمية، نرى أنها تلتقي مع فلسفة ماندالا التي تعتبر الفعالية حدثًا شموليًا متعدد الأبعاد، لا يقتصر على بهرج التنظيم أو جودة الأطعمة والموسيقى، بل ينطلق من هندسة عميقة للفكرة والمحتوى، ويصل إلى إبداع تقنية تُحاكي شغف الجمهور، وتمنحهم قيمة تعليمية ومهنية تبقى معهم طويلًا.
إن عملاءنا سواء كانوا مسؤولين حكوميين، وكلاء، قياديين، أو أفرادًا من شرائح طموحة مثقفة يقدّرون أن يروا الفعالية تتحول إلى مساحة تعلم وتطوير. يقدّرون أن يجدوا داخل الفعالية فرصًا لتعلّم مهارة جديدة، أو تبادل الأفكار مع الخبراء، أو اكتشاف منصة تقنية تدعم رحلتهم المهنية حتى بعد انتهاء الحدث.
هنا تبرز قوتنا في ماندالا:
من منظور أوسع، تصبح التكنولوجيا في قلب صناعة الفعاليات الحديثة هي وسيلة لصناعة «الأثر» ذلك الأثر الذي يتجاوز انبهار الضيف بالإنارة أو الديكور، ليصل إلى إحداث تغيير حقيقي في طريقة تفكيره وعمله.
وهنا يصبح دور ماندالا ليس فقط تصميم فعالية مذهلة بصريًا، بل بناء منصة تعلم متنقلة، تتجدد مع كل ضيف، وتراعي اختلاف احتياجاته، وتستخدم البيانات بذكاء لرسم مسار تعلّم وتطوير مهني متكامل.
كما نستلهم من Bett وISTE وASU/GSV، فإن المستقبل يحمل لنا فرصًا هائلة:
حين نخطط في ماندالا، نؤمن أن الفعاليات يجب أن تتطور من كونها لحظة إلى كونها رحلة مستمرة. رحلة تبدأ بالحضور الواقعي، وتمتد عبر قنوات رقمية ومنصات ذكية، لتتحول إلى أكاديمية متحركة تبني قدرات الناس وتعزز مهاراتهم.
هذه هي رؤية ماندالا:
أن نكون شريكًا استراتيجيًا في بناء الإنسان، وليس مجرد منظم حدث.
في كل مشروع نقدمه، ندمج جمال التصميم وروعة التكنولوجيا مع عمق الأثر التعليمي، لنصنع تجارب ذات جودة استثنائية، ومعنى راسخ، وقيمة مهنية تبقى مع الحضور طويلًا.
وهكذا نشارك في تحقيق أهداف مجتمعنا الراقي مجتمع يقدّر التميز، ويراهن على المعرفة، ويحلم بمستقبل يتسع للجميع.
اقرأ أيضًا:
شاركنا بريدك الإلكتروني وادخل معنا في مساحة مليانة وعي، نمو، وإلهام.
جمبع الحقوق محفوظة © ماندالا 2025
WhatsApp us