لا يخفى على أي خبير في صناعة الفعاليات أن حاضرنا يشهد تحوّلًا نوعيًا في تطلعات الجمهور نحو حضور الفعاليات، فلم يعد الاكتفاء بالمشاهدة والتلقّي مقبولًا…
لا يخفى على أي خبير في صناعة الفعاليات أن حاضرنا يشهد تحوّلًا نوعيًا في تطلعات الجمهور نحو حضور الفعاليات، فلم يعد الاكتفاء بالمشاهدة والتلقّي مقبولًا لدى فئة الحضور الراقية التي تعيش ثقافة التميّز وتسعى إلى إثراء معارفها وتجاربها عبر المشاركة والتفاعل المباشر. إن جمهورنا اليوم من مسؤولين رفيعي المستوى، ومدراء تنفيذيين، وشرائح مثقفة واعية باتوا يقيّمون قيمة الفعالية بناءً على جودة التجربة بقدر ما يقيّمون محتواها. وهنا يأتي دورنا في ماندالا، حيث نؤمن بأن الفعالية الناجحة لا تكتفي بإبهار الحواس، بل تحرّك الفكر، وتوقظ شغف المشاركة، وتترك أثرًا عميقًا في الذاكرة الجمعية للحاضرين.
عند تصميم فعالية تفاعلية ملهمة، يجب أن نتحرر من إطار «عرض» المحتوى إلى مفهوم «التشارك» في صناعته. وهذا التشارك يبدأ منذ اللحظة الأولى للتخطيط، من خلال الاستماع الدقيق لجمهور الفعالية، وفهم دوافعهم وتطلعاتهم، وتحديد القيم التي يتوقون لتجربتها على أرض الواقع. إن الجمهور الذي يبحث عن تجارب عالية المستوى سواء من النخبة المهتمة بالثقافة والتقنية أو من الفئة التي تقدّس الجودة والمعنى يريد أن يشعر بأنه جزء من الحدث، وليس مجرد متفرّج.
لذلك، تقوم فلسفة ماندالا على تصميم تجارب قائمة على هندسة الأفكار، حيث نبدأ بدراسة رحلة الزائر منذ استلامه الدعوة مرورًا بكل محطة في يوم الفعالية وحتى لحظة الختام، لنتأكد أن كل عنصر محفّز للتفاعل والحوار والإلهام. وهذه الفلسفة تتجلى عبر دمج ثلاثة أبعاد رئيسية للجودة:
لعل أبرز من يطبّق هذا الفكر على المستوى العالمي هو مؤتمر TEDx، الذي يتميّز بجلساته القصيرة الملهمة، حيث تجمع بين الفكر والثقافة والتقنية والتصميم في قوالب إبداعية تثير فضول الحضور وتدعوهم للتفاعل. فالقاعة ليست مجرد مقاعد وصفوف، بل مساحة للنقاش الحر بعد الجلسات، وورش عمل مصاحبة تتيح للحضور التعبير عن آرائهم وتجربة التقنيات بأنفسهم. كذلك، يوفّر TEDx فرصًا لتجربة تقنيات الواقع الافتراضي والعروض البصرية التفاعلية، مما يحفّز الحضور على الإندماج الذهني والعاطفي مع موضوع الفعالية.
هنا نتعلم كيف يراهن المصممون على تحويل الضيوف من متلقّين سلبيين إلى مشاركين فاعلين، من خلال بناء نقاط تواصل مستمرة داخل الفعالية، وتسهيل الحوار بين الخبراء والحضور عبر مساحات مفتوحة وتشجيع الأسئلة والنقاشات.
أما في السياق المحلي، نجد تجربة معرض سبارك للابتكار (Spark Innovation Show) بالمملكة العربية السعودية مثالًا رائدًا على تفعيل مبدأ التجارب التفاعلية، إذ لم يكتفِ العارضون بعرض ابتكاراتهم على طاولات تقليدية، بل استخدموا تقنيات الواقع المعزز والروبوتات التفاعلية ليمنحوا الزائر فرصة التفاعل المباشر مع المنتجات والأفكار المبتكرة. أكثر من ذلك، حرص سبارك على تقديم جلسات تعليمية تفاعلية تهدف إلى تحفيز الإبداع لدى الحضور، ليخرجوا وهم يشعرون بأنهم جزء من المستقبل الذي يراه المبتكرون بأعينهم.
التقنية هي كلمة السر التي يجب ألا تغيب عن أي مصمم فعاليات يريد إشعال حماس المشاركة، شريطة أن توظّف التقنية بعناية وبما يخدم الهدف الفكري والجمالي للفعالية. في ماندالا، نؤمن أن التقنية لا قيمة لها ما لم ترتبط برؤية إبداعية، وهنا نستحضر مؤتمرات MICE العالمية (Meetings, Incentives, Conferences, Exhibitions) التي تبنّت المفهوم الهجين للتفاعل؛ فهي تجمع بين الحضور المادي والافتراضي وتستخدم تطبيقات ذكية تتيح للحاضرين إرسال أسئلتهم مباشرة، والتصويت على الآراء، والتفاعل مع الشاشات الرقمية في اللحظة ذاتها.
هذه التقنية ساعدت على كسر الجمود، وخلقت مساحات ديمقراطية للتعبير والحوار، حيث لم يعد كبار الحضور يكتفون بالاستماع، بل يشاركون فعليًا في صياغة أجندة الفعالية. هذا النمط يناسب جمهورنا الذي يحب إثبات ذاته، وإبراز حضوره بين نخبة المجتمع، ويقدّر التجارب الغنية ذات الطابع التقني المرموق.
من جهة أخرى، نرى مهرجان ساوث باي ساوثويست (SXSW) في الولايات المتحدة قد نجح بإتقان في دمج الفن مع التكنولوجيا، حيث حوّل الفعالية إلى مساحة مفتوحة تعج بالإبداع التفاعلي. جلسات الحوار والعروض الحيّة تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي بطرق مبتكرة، وتسمح للحضور بالمشاركة في إنشاء محتوى تفاعلي حيّ داخل الفعالية نفسها، مما يعزز حسّ الانتماء لدى الزوار ويجعلهم يشعرون أن الحدث ملك لهم، وليس مجرد عرض مخصص لهم.
هذا البعد الفني الذي يلتقي مع التقنية هو ما نحرص على تبنيه أيضًا داخل ماندالا؛ فنحن لا نرى الفعاليات مجرد خشبة مسرح، بل فضاءً إبداعيًا يسمح للناس بأن يختبروا، يبدعوا، ويحلموا معًا.
لا يمكن بناء فعالية ملهمة بدون فريق عمل واعٍ ومدرّب يعرف كيف يزرع بذور المشاركة لدى الحضور. المنظمون والمرشدون يجب أن يمتلكوا مهارات التيسير والحوار، وأن يتحدثوا لغة الضيوف بطلاقة، وأن يعكسوا مستوىً راقيًا من الذوق والمظهر. جمهورنا يلتقط الإشارات بسرعة ويقدّر التفاصيل الصغيرة بدءًا من حسن استقبال الضيوف بأبهى الأزياء، وصولًا إلى الابتسامة الصادقة ونبرة الصوت التي تعطيهم شعورًا بالاحترام.
في ماندالا نولي أهمية فائقة لاختيار فرقنا التشغيلية، ونعتمد تدريبًا مكثفًا لهم حتى يصبحوا قادرين على إدارة الحوار وتحفيز الجمهور للمشاركة، بل وحتى التعاطي مع أي موقف طارئ بسرعة وأناقة.
قد يظن البعض أن مجرد ضحك الجمهور أو تصفيقهم هو علامة النجاح، لكن في عالم الفعاليات الراقية علينا أن نستخدم مقاييس أكثر عمقًا:
كل هذه المؤشرات تقيس جودة التفاعل الحقيقي، وهو ما نسعى إليه: خلق أثر طويل الأمد وليس انطباعًا لحظيًا فقط.
حين نخطط في ماندالا لأي فعالية، نعتبرها مشروعًا متكاملًا للارتقاء بالوعي الجمعي، وليس مجرد «حفلة» عابرة. نرسم تجربة تفاعلية مدروسة تبدأ من هندسة الأفكار وتنتهي بضبط كل تفصيلة تشغيلية، مرورًا بأعلى معايير التقنية والإبداع، لنضمن أن الحضور يخرجون أكثر إلهامًا، وأكثر اندماجًا، وأكثر رغبة في المشاركة.
وهكذا، فإن تصميم الفعاليات التفاعلية الملهمة هو فنّ يقوم على احترام عقل الجمهور وذائقته، ويجمع بين الإبهار البصري والجودة التشغيلية والمعنى العميق. وهو ما يليق بجمهورنا السعودي المثقف الطموح، الذي يسعى أن يكون حاضرًا في قلب الحدث لا على هامشه، ويقدّر الجودة والتميز في كل تجربة يعيشها.
من TEDx إلى سبارك، ومن MICE إلى SXSW، نجد مصدر إلهام عالمي يؤكد أن التفاعل هو وقود النجاح، وأن الفعالية العظيمة ليست تلك التي يصفق لها الناس فحسب، بل تلك التي تغيّر نظرتهم، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة.
وبين أيدينا في ماندالا نبني هذه الآفاق، وننسج قصص التفاعل والإلهام، لنصنع مع عملائنا لحظات خالدة تليق بطموحاتهم، وتجسّد رؤيتهم للمستقبل.
مقالات ذات صلة:
شاركنا بريدك الإلكتروني وادخل معنا في مساحة مليانة وعي، نمو، وإلهام.
جمبع الحقوق محفوظة © ماندالا 2025
WhatsApp us